إن طرح قضية ” علاقة الطفل بالفلسفة ” تعتبر طريفة و جديدة و غاية في الفرادة و حري أن تجد كل الإهتمام من علماء الفلسفة إذا سلمنا بأن الأخيرة هي ” أم العلوم ” كما يطلق عليها قديما قبل أن تنفصل الأخيرة عن بقية العلوم كالرياضيات و الفيزياء . و هذا الطرح قد يبدو منطقيا و معقولا لأصحاب المبادرة في ظل الثورة التكنولوجية الهايلة التي يشهدها العالم اليوم، زمن العولمة أو ما يعرف بالثورة الصناعية 4.0 و ما أفرزته من تدفق حر للمعلومات الشيء الذي مكن الطفل من النفاذ إليها عبر جهاز حاسوبه أو هاتفه الجوال بمفرده في أحيان كثيرة و بدون رقيب في أحيان أخرى و هو أمر مثير للإنتباه و مغري أيضا لكنه في المقابل يكشف عن شبه عزوف أو مقاطعة للكتاب بمفهومه التقليدي خصوصا بالنسبة للطفل العربي !.
هذا و قد كان مخبر ” فيلاب ” للفلسفة بكلية العلوم الإجتماعية و الإنسانية بتونس 9 أفريل، حريصا على مواكبة هذا الحدث الكوني تحت إشراف الأستاذ الدكتور فتحي التريكي قبل تقاعده و تفرغه لعمل آخر، و جهد كبير كرس له كل وقته صلب ” معهد تونس الفلسفة ” صحبة نخبة من كبار الأساتذة و الباحثين.
و مقالتنا هذه تحاول أن تلقي أضواءا كاشفة على هذا المكسب التربوي و المعرفي و الثقافي الهام و مناقشة هذه البادرة الطيبة و الجريئة من وجهة نظري لأن ” الفلاسفة بالمعنى الدقيق للكلمة – هم أناس يقودون و يشرعون، يقولون سوف ” تكون الأمور هكذا ” و يحددون مقاصد الإنسان و غاياته ، و يتصرفون للقيام بهذه الأمور- في العمل التمهيدي الذي أعده عمال الفلسفة و كل الذين تحيط معرفتهم، إنهم يبسطون نحو المستقبل أيديا خلاقة …” ( نيتشه، ما بعد الخير و الشر ) ثمة أكثر من بحث و دراسة أكاديمية أجريت بشأن مدى قابلية الطفل لتعلم الفلسفة في العالم العربى و عند الغرب. فبين مؤيد و داعم لها و حاث على تدريب الطفل على التفلسف يقف آخرون كرافضين لها و محذرين منها و محتجين عليها بقوة و كأن لسان حالهم يقول كفى إفسادا لعقولهم البريئة.
فتحت جهاز الراديو ليلة الخميس الماضي، لمتابعة البرنامج الثقافي ” أيام لا تنسى ” من إعداد و تقديم المذيع القدير الحبيب جغام على موجات الإذاعة الوطنية التونسية و قد أوشك على الإنتهاء من حوار هاتفي مع المفكر التونسي المعروف فتحي التريكي ( معتبرا نفسه شيخا و هو الحكيم ) موضوعه الفلسفة و دورها في المجتمع و ختم قوله بإقتراح أن تدرج الفلسفة في سن مبكرة نسبيا تشجيعا
للطفل على الإبداع باعتباره مقدرته على التعلم و الحفظ السريع أيضا إذا ما توفرت الظروف المناسبة لذلك. و أردف بقوله :” هي الآن تدرس لتلامذة السنوات ثالثة آداب مثلا فلماذا لا يبدأ تدريسها لتلامذة الأولى ثانوي” و قد يكون البروفيسور التريكي قد إرتكز في أطروحته تلك على مقولة للفيلسوف ياسبرز ” عادة ما يكون للأطفال شيء من العبقرية عند الصغر، سرعان ما تتلاشى عند الكبر ” . و هي حقيقة لا ريب فيها و سأعود إليها من خلال مثال حي عشته شخصيا.
هذا الموضوع المستجد أصبح متداولا إعلاميا و يحاول إثارته بعض أساتذته الفلسفة في الجامعة التونسية و لنا أكثر من مثال على ذلك فالدكتور زهير الخويلدي، الكاتب الفلسفي بموقع رأي اليوم الإخباري ما انفك يؤكد على صفحته الرسمية على الفايس بوك، على أهمية و ضرورة إتخاذ خطوة قد تندرج في إطار إصلاح و تطوير منظومة التعليم المهترءة في بلادنا و في أغلب الدول العربية. و من خلال بحث أكاديمي لمجموعة من الباحثين العرب، صدر كتاب ” التفلسف و التعليم و رهانات المستقبل ” عن دار نيبور ببغداد، بالعراق الشقيق سنة 203، من إعداد و إشراف الدكتور نال فاضل البغدادي و قد تضمن أول دراسة باللغة العربية عن تدريس الفلسفة للأطفال من تأليف الأستاذة سالمة بالحاج مبروك خويلدي الباحثة التونسية بعنوان أفلاطون الصغير و مستقبل البشرية. و قد وردت به أفكار مهمة تدحض بعض الأحكام المسبقة التي ماانفك يطلقها السواد الأعظم من عامة الناس بشأن صعوبة أو إستحالة إستيعاب الأطفال لتخصص معقد مثل الفلسفة، حيث تقول تسرد الكاتبة مجموعة من التبريرات و الحجج و تقر ببعض الحقائق منها ما يلي نورده في نقاط:
-أن الأطفال هم فلاسفة بالفطرة و لهم إستعداد فطري لممارسة فن طرح السؤال الذي هو جوهر الفكر الفلسفي
-أهمية التبكير بتدريب الأطفال على ممارسة فن التفكير من خلال تنمية قدراتهم على التواصل و الإصغاء للآخرين و جعلهم أكثر عقلانية و تعليمهم التفكير ليس فقط بأنفسهم و لكن أيضا مع الآخرين لإنشاء مواطنين أحرارا في ديمقراطية تداولية، و التأسيس لجيل جديد يؤمن بثقافة ” السلم الدائم ” و مقاومة العنف، و في ذلك تأكيد لما قاله ديكورات ” أب الحداثة ” من ” أن الشعوب التي لم تعرف الفلسفة هي شعوب همجية ” .
– حينما يكتسب الطفل مبكرا خاصية الفكر النقدي
و إستقلالية التفكير و إصدار الأحكام بنفسه على العالم و الأشياء سيكتسب مناعة ضد التوظيف الإيديولوجي يختلف درجاته و يعده لأخذ ناصية مصيره بيده خاصة و أن أطفال اليوم هم أكثر ضحايا العبودية المعاصرة فإذا أخذنا المدرسة بوصفها فضاء بنيويا حيث تسلسل الأحداث يخضع لقوانين صارمة و حيث اللغة واحدة، فإنها تفرغ الطفل من رأسماله الأساسي من قدراته على التفكير، و تسلبه قدرته على الحكم و التحليل بدل أن تساهم في تطوير الفكر الناقد بإعطاء الفرصة للأطفال لكي يكونوا ريبيين ( أي شكاكين) و “الشك ( المنهجي) طريق إلى اليقين ” كما يقول رينيه ديكارت عوضا عن حشو رؤوسهم الصغيرة بيقينيات لا يقيني.
– في ظل إهتراء منظومة القيم بما في ذلك الأخلاق و إنعدام المعنى، ثمة دعوات صادرة عن بعض الفلاسفة على أن تملأ الفلسفة هذا الفراغ القيمي بأن تتحول إلى إيتيقا تساعد الإنسان المعاصر على تجاوز أزمات و محنه المتعددة و بذلك تصبح الفلسفة ضرورة حياتية و تعليمها أو التدرب على منهجها العقلاني التجريدي منذ الطفولة حاجة إنسانية إستراتيجية و وصفة طبية ناجعة لمعالجة أغلب أمراض العقل الذي أصابته تشوهات الحضارة التقنية المعاصرة.
و تختم الأستاذة الخويلدي بالقول أن الأمر لا يتعلق بمعجزة بل السر في تربية الناشئة بطريقة تغرس فيهم هذه القيم الإنسانية و كأننا أمام عملية ” توليد سقراطي ” . صحيح أن الأمر ليس سهلا و لكن أيضا ليس مستحيل.
و بودي أن أشير هنا إلى فكرة خطيرة يحاول أن يرسخها بعض الآباء أو هي تسكن عقول العديد من شبابنا الذي يحمل شهادات جامعية من أن الفلسفة تشجع الإنسان المسلم على الإلحاد و هنا أدعوهم إلى ضرورة قراءة كتب أعلام الأمة كالكندي و الفارابي المعلم الثاني بعد أرسطو و إبن رشد و إبن سينا و الغزالي و هم الذين نقلوها من الإغريقية و بفضلهم إنتشرت الفلسفة في مختلف أرجاء أوروبا.
السادة المفكرون الحريصون أشد الحرص على تنفيذ فكرتهم و الترويج لها إعلاميا حيث أكدت المتفقدة العامة للفلسفة أن هذه المبادرة سلمت لوزارة التربية منذ سنة 2009, و لكن يبدو أن سلطة الإشراف غير مقتنعة بها تمام الاقتناع و ربما تخشى أن تغامر أو تقامر بشيء عظيم أو على الأقل من العيار الثقيل رغم أن المسؤولية جماعية بالأساس. لكن ماهو جدير أن ننوه به بكل صراحة هو أن باحثينا المتفلسفين لم يبقوا حبيسي أبراجهم العاجية كما يقال بل هم اليوم، على إستعداد تام للدفع بعجلة التعليم الفلسفي في بلادنا، و الإسهام في إحداث نقلة نوعية فكرية بهدف تكوين جيل من الشباب المفكر و المبدع حامل للواء التغيير لأن الشباب هم مستقبل كل أمة.
و من الجدير التذكير أن بلادنا كانت من الدول السابقة في العالم العربي إلى إحداث أول بيت للفلسفة ألا وهو ” معهد تونس للفلسفة ” هذا إلى جانب جمعية الدراسات الفلسفية التي تشتغل منذ سنوات. هذا المنجز هو ثمرة سنة من التفكير و النقاشات الطويلة و المستفيضة بين أعضاء هيئة المجلس العلمي لكرسي اليونسكو بدعم من وزارة الشؤون الثقافية و مؤسسوه هم نخبة من الأساتذة و الفلاسفة نذكر منهم: محمد محجوب و زينب الشارني و حميدة بن عزيزة و محمد علي الحلواني و رشيدة التريكي إستنادا إلى الأستاذ التريكي. علما أنني قد إستقيت البعض من معلوماتي من موقع كابيتاليس الإخباري، الذي أكد أن للمعهد برنامجا ثريا يتضمن محاضرات شهرية و لقاءات مع فلاسفة و مفكرين و ندوات و أياما دراسية و مغاربية و دروس في الفلسفة و الثقافة الفلسفية و التعريف بالإصدارات الفلسفية الجديدة. و في برنامج المعهد إحداث مكتبة خاصة بها. كما تقرر إحداث ثلاث جوائز: جايزة سنوية لتكريم الباحث في مادة الفلسفة أو لأكثر فلسفي، و جايزة المقال الفلسفي المنشور خلال العام و جايزة أفضل رسالة دكتوراه.
صادف ذات يوم أن كنت أراجع بعض الدروس و كان من عادة إبنة أخت التلميذة النجيبة ” ريمان النهاري” ذات التسع سنوات و المرسمة بالثالثة إبتدائي آنذاك عندما تناولت كتاب “قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون ديوي .. حياة و آراء أعاظم رجال الفلسفة في العالم ” للكاتب ول ديورانت و قد نقله إلى العربية الدكتور فتح الله محمد المشعشع و هو كتاب كنت قد إستلفته من أحد أصدقاءي الأعزاء و يدعى عيفة. البنية الصغيرة أرادت أن تكتب شيءا منه و كانت المفاجأة أن بادرتني بالسؤال التالي و كلها شغف و إستغراب لمعرفة الجواب : “يا خالي ما معنى فلسفة ؟ ” و هو سؤال أثار إنتباهي لحظتها و كان لزاما علي أن أجيبها إجابة تتماشى و سنها المبكر جدا على مثل هذه الأسئلة أو لست ربما أمام “هيدغير” صغير لأنه سؤاله الذي عرفناه لأول مرة في أول درس للفلسفة في البكالوريا و قد قال عنه أستاذ الفلسفة وقتذاك بأنه سؤال سيء الطرح. أجبتها بالقول : “إن الفلسفة شيء يهتم بالتعرف على العالم و الكون و الحياة و الإنسان و الوجود و أشياء أخرى. فالفلاسفة جمع فيلسوف يبحثون في كل أمر تقريبا و هم يتساؤلون كثيرا”.
في اليوم الموالي، جمعني لقاء خاطف بنفس الصديق و هو طالب علم و قارىء جيد للكتب في الأربعينات من عمره و سألني تقريبا نفس السؤال : ” ما هي الفلسفة ؟ ” فحدثته بما حصل مع ريمان و أجبته بعد برهة من التفكير : ” إن الفلسفة هي مجهود أو نشاط فكري يستهدف فهم العالم من حولنا في عمومياته أي كلياته و ليس في جزيئاته ” و من المهم الإشارة إلى شرط وضعه الأستاذ جيل غرانجي بكوليج دي فرانس وهي أرقى مؤسسة تعليمية في فرنسا، أنه “لكي يكون المرء مفكرا عظيما عليه أن يكون ملما بعلوم عصره”.
و من ضمن التعريفات الأخرى التي تعترضنا بإستمرار في كتب الفلسفة هي : أن “الدهشة هي بداية الفلسفة” حسب أرسطو و هي أيضا الحيرة.
يبدو لي و أنا لست المختص في الفلسفة لا من قريب و لا من بعيد و إنما مجرد قاريء وفي لبعض النصوص التي تثير إعجابي و تحفزني و تستفزني، أن الفلسفة قابلة ان يستوعبها عدد من الأطفال لكن ممكن الصعوبة هو في المفاهيم و المصطلحات أي لغة الفلسفة نفسها و التي لا بد و أن يقع تبسيطها.
يقول أفلاطون معلم أرسطو و تلميذ سقراط أنه لا بد من تعلم الرياضيات و المنطق في أول الأمر حتى يتسنى فهمها و هو صاحب المقولة الشهيرة : ” لا يدخلن علينا اليوم من لم يكن هندسيا “. و تقول بعض كتب الرياضيات أن كل رياضي هو أفلاطوني بالضرورة.
في حوار جمع التريكي و هو الذي شغل كرسي اليونسكو للفلسفة في العالم العربي ب”موقع عرب 21 ” عن مشروع الفلسفة في العالم العربي و هل هو قابل للتطبيق في كل بلد عربي ؟ كان جوابه كالتالي :
” طبعا، تم تطبيقه بمصر و هناك الآن دراسات عن الفلسفة في بعض البلدان العربية مثل المغرب و الجزائر و لبنان و سوريا و العراق “. و عن رؤيته لواقع الفلسفة اليوم في تونس أي هل توجد آذان صاغية لما يقوله فلاسفة تونس السابقون و المعاصرون ؟ . أجاب : ” ليس من السهل تقييم الوضع الحالي للتفلسف في تونس. يجب تكوين فرق بحث علمية لتشخيص الوضع. و لكننا نستطيع القول إن تدريس الفلسفة هو المهيمن على الشأن الفلسفي و هذا مهم طبعا و لكنه غير كاف. و البحث الجامعي في ميدان الفلسفة مازال ضعيفا. و مع ذلك هناك محاولات للخروج بالفلسفة من برجها التدريسي لاتهتم بشؤون الناس. و يندرج إحداث معهد تونس للفلسفة في هذه المقاربة التي تريد أن يكون التفكير المدعم ببرهان و أعني التفلسف معمما قدر الإمكان بين الطبقة المثقفة من الشعب. و لكن هذا المعهد لا يرى تشجيعا حتى من قبل وزارة الشؤون الثقافية و هو من مؤسساتها.
من أحد المصادر التي عدت إليها للبحث في موضوع علاقة الطفل بالفلسفة ” موسوعة ستانفورد للفلسفة ” و قد تم نشر بحث في ذات الغرض بمجلة ” حكمة ” المحكمة و أجاب على مجموعة من الأسئلة الجوهرية نذكر منها على سبيل المثال : هل الأطفال قادرون على التفكير الفلسفي ؟
أشار ملخص البحث العلمي إلى أن التفكير الفلسفي الجاد لا يصلح لمرحلة ما قبل المراهقة. و هناك سببان يمكن تقديمهما لقبول هذا الرأي. أولهما : أن التفكير الفلسفي يتطلب مستوى من النمو المعرفي الذي- كما يعتقد المرء- يتجاوز فهم مرحلة ما قبل المراهقة. و ثانيا : أن منهج المدرسة مكدس بالفعل بالمواد، و طرح موضوع مثل الفلسفة لن يشتت فحسب ذهن الطلاب عندما يحتاجون تعلمه، و إنما قد يشجعهم أيضا على أن يصبحوا متشككين بدلا من أن يكونوا متعلمين.
في إجابة على السؤال الذي طرح في هذا البحث تشير النظرية الشهيرة ل( جان بياجي، 1933 ) حول التطور المعرفي ان معظم الأطفال قبل عمر11 أو 12 سنة غير قادرين على التفكير الفلسفي. و في إعتقاده أن هذا يعود إلى أن الأطفال- قبل هذا العمر- لا يستطيعون ” التفكير قبل التفكير” و هو نوع أعلى من مستوى التفكير الذي يتصف به التفكير الفلسفي. و يشمل هذا المستوى ” التشغيلي الرسمي ” للتطور المعرفي التفكير التناظري حول العلاقات مثل : الدراجة بالنسبة إلى مقودها كالسفينة إلى دفتها، حيث ” آلية التوجيه ” هي العلاقة المتشابهة ( غوسوامي، ص 21 ).
و مع ذلك تشير نفس الدراسة إلى أن مجموعة قوية من البحوث النفسية تصف بيجي كونه يقلل بشكل كبير من القدرات الإدراكية لدى الأطفال ( أستنبغتون، 1993- غوبنيك و آخرون، 1999 – غوبنيك، 2009 ).
بحلول السبعينات من القرن العشرين، كانت هناك على الأقل إحتجاجات قوية على تدريس التفكير الناقد في المدارس، إن لم تكن إحتجاجات واضحة. و استمرت بشكل كبير دون أن تهدأ حتى الوقت الحاضر. و كان الفيلسوف ماثيو ليبمان يأمل أن تحصل الفلسفة على موقع رئيسي في منهج كيه-12.
الصحافة العربية بدورها إهتمت بالموضوع و أفردت له صحيفة الشرق الأوسط مقالا تحت عنوان : تعليم الفلسفة .. تعميق لفضوله أم إجهاض لبراءته ؟ صدر بتاريخ 02 نوفمبر 2017 و قد تضمن تعليقا وتعريفابكتاب صدر عام 2017، عنوانه ” الطفل و الفلسفة ” عن دار إفريقيا الشرق. و هو من إعداد و تنسيق الواحد أولاد الفقهي. و يعد هذا المنجز الفلسفي عملا جماعيا أنجزه إثنا عشر باحث بمشارب تخصصية مختلفة مما جعله خصبا، و من أبرز ما تضمنته فصول الكتاب ما يلي :
أن قضية الفلسفة و الطفل قد شغلت خبراء منظمة اليونسكو حيث توج عملهم في شهر مارس 1998، ببحث حمل عنوان ” الفلسفة من أجل الأطفال ” و موجز القول، أنه يمكن تعلم التفلسف منذ السنين الأولى لحياة الإنسان، بل تم إعلان أن الأمر مستحب لأسباب فلسفة و سياسية و أخلاقية و تربوية. و يؤكد المناهضون لعدم صلاحية الفلسفة للأطفال على مسألة أخرى إضافة إلى تكدس المواد التعليمية من تاريخ و أدب و رياضيات و علوم و لغات على مسألة أخرى، و هي أن تدريسها فيه خطر نفسي عليهم، إذ أن الزج بالطفل مبكرا في مشكلات الحياة الكبرى هو إجهاض لنموه الطبيعي، فهو له الفرصة حين ينضج لإكتشافها، فتعليم الفلسفة إعتداء على براءته و دفعه إلى إدراك سابق للأوان.
شخصيا أدعم فكرة الدكتور التريكي و الفريق الذي يشتغل منذ سنوات معه على هذا المشروع.إذ من الممكن أن يتم الإقتصار في مرحلة أولى على خوض تجربة نموذجية على معهد معين ثم تقييمها بعد فترة معينة بعد التوصل إلى نتايج معينة و من بعد ربما قد يقع تعميمها. قد تكون هذه الفكرة بذرة خير نزرعها لنحصد ثمارها بعد سنوات قليلة، ذلك أن” أكبر نعمة ينعم الله بها على بلد من البلدان أن يهبه فلاسفة حقيقيين ” مثلما يقول ديكارت. ثم إن هذه المبادرة قد تفسح المجال لإنتداب للمآت من أساتذة الفلسفة العاطلين عن العمل لأنها تعد في بلادنا، من ضمن الشعب صعبة الإدماج.
إن الإشتغال على موضوع الفلسفة عموما يبيح لنا الحديث عن أمور أخرى على علاقة وثيقة بها فمثلا في تونس ، لا يوجد إختصاص في الجامعة إسمه فلسفة العلوم فذات مرة منذ أكثر من إثني عشر سنة، عندما كنت أبحث عن الدراسة في ماجستير في الاختصاص المذكور أفادني الأستاذ التريكي بأنه لا يوجد عندنا في تونس بل إن فلسفة العلوم تدرس في الغرب، و هذا خسارة حقا لكن أتيت لي فرصة جيدة و أنا مرسم بالسنة أولى ماجستير بحث في إختصاص ريادة الأعمال و الإستشراف بكلية العلوم الإقتصادية و التصرف من الإطلاع عن كثب على مادة إبستيمولوجيا البحث العلمي و كذلك ميتودولوجيا البحث العلمي علما بأن الأولى لا تدرس في كليات الآداب ( كلية الآداب بصفاقس هي مصدر المعلومة ).
شيء آخر هام جدا، أنه في ألمانيا كل من يتخرج من كلية العلوم مثلا في إختصاص الفيزياء إلا و معه شهادة في الفلسفة أو أنه قد درسها بتمعن. كما أنه تعطى الأولوية لحاملي شهادة الأستاذية في الفيزياء و الرياضيات عند قبول طلبة في مستوى شهادة الدراسات المعمقة أي الماجستير.
المراجع :
-مجلات أكاديمية : مجلة حكمة المحكمة
– مصادر إنترنت أخرى: موقع عرب 21 و موقع كابيتاليس.كوم
-كتب و مقالات : جريدة الشرق
بقلم ياسين فرحاتي – كاتب من تونس.